• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

لا بأس أن تكون مبتكراً

ماريو جيه مولينا

لا بأس أن تكون مبتكراً

لا تخشوا من فكرة أن تكونوا مختلفين، فقط أجيدوا القيام بعملكم، تعلقت بعلوم الأحياء منذ سن مبكرة، في بادئ الأمر، في فترة نشأتي في المكسيك كنت أقرأ سير العلماء المشهورين كلويس باستور وألبرت أينشتاين.

ذات مرة تلقيت ألعاباً تعتمد في مبدأها على الكيمياء هدية فكنت مأخوذاً بها. ثم أتى اليوم الذي حصلت فيه على أول مجهر فكان ذلك مفتاح طريق حياتي. كان للعالم والمخترع أنتوني فان ليونهويك الكثير من الأفكار المدهشة والاختراعات من أهمها المجهر.

من ذكرياتي عن أيام الطفولة جلوسي في المنزل حاملاً المجهر وواضعاً قطرات من الماء غير نظيفة على شريحة. كان ما شاهدته من حركة الجراثيم والبكتيريا هو أروع مشهد يمكن أن أتخيله. أكثر ما أدهشني هو مقدرتي على رؤية أشياء لم أكن لأراها لولا وجود المجهر.

ما عزز فضولي نحو العلوم هو تلك الرغبة الملحة في اكتشاف طريقة عمل الطبيعة. بعد انتهائي من مرحلة الثانوية انتسبت إلى جامعة المكسيك الوطنية المستقلة حيث نلت إجازة في الهندسة الكيميائية وهنا حدثت نقطة تحول في حياتي.

قررت أن أدرس في ألمانيا لنيل شهادة الماجستير. كان ذلك التحول قاسياً، فالناس مختلفون جداً واللغة صعبة. درست باجتهاد في ذلك العام الذي مر بصعوبة حتى تمكنت أخيراً من تعلم اللغة. المفارقة المثيرة للسخرية هي أني تعلمت اللغة الألمانية قبل أن اتعلم الإنكليزية. وبالإضافة لتعلم اللغة، كان علي أن أتعرف على ثقافة وحضارة ذلك البلد وهو أمر لم يكن بالسهل أيضاً. حتى طريقة تعليمهم كانت اشبه ما تكون إعطاء الطالب عدداً من الكتب في أول يوم له في الفصل الدراسي الأول، وسؤاله أن يقرأها كلها ويعود في اليوم الأخير من الفصل الدراسي الأخير- وهذه طريقة مختلفة عن طريقة الدراسة في أمريكا الشمالية. ولكنني في النهاية تمكنت من نيل شهادة الماجستير في الكيمياء. وهنا آن اتخاذ قرار صعب آخر.

أين سأتوجه لدراسة الدكتورة- إن ما كنت أتطلع إليه الآن، برغم كون الشهادتين اللتين نلتهما كانتا في الهندسة الكيميائية والكيمياء الأساسية، هو دراسة شيء لم يسبقني إليه أحد. لذا قررت الانتقال إلى الولايات المتحدة والانتساب إلى جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وقد كان ذلك القرار صائباً ومن أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي. أفضل درس تعلمته في بيركلي أن العلوم تكون شيقة ومفيدة أكثر عندما تعمل عليها ضمن فريق. قبل بيركلي، كان تفكيري منصباً على القيام بأبحاثي بشكل منفرد لأن ذلك كان يستهويني، ولم أكن مهتماً بما يمكن أن أقدمه للعالم من إسهامات مفيدة لتحسينه. عندما كنت صغيراً بالمكسيك لم يكن لأصدقائي أي طموحات مثلي، بل كانوا من النوع المعادي للمدرسة وللدراسة ولجو الصف، ولم يجدوا أي متعة في المدرسة. على كل حال لا يعني ذلك أنني لم أكن مستمتعاً بصحبتهم، ولكن كل ما في الأمر أنهم لم يكونوا يفكرون بالطريقة التي أفكر بها.

مع تطور حبي للبحث بدأت افهم ضرورة العمل الجماعي فيما يتعلق بالعلوم والأبحاث العلمية. فهذا النوع من العمل ينطوي على الكثير من المتعة عندما تتشارك به مع الآخرين. مع الوقت أدركت ان الأبحاث التي أقوم بها كانت توسع من إطار العلوم وآفاقها، إذ كنت قد بدأت بفهم الليزر ومظاهر عمل الجزئيات، التي كانت جديدة على العلوم، وإمكانية تطبيقها. وهذا ما لفت نظري إلى علم البيئة، وهو علم من شأنه أن يقدم الفائدة للإنسانية جمعاء.

بعد نيلي الدكتوراه قررت الاطلاع على كيفية عمل الغلاف الجوي.

في السابق كنت أهتم فقط بالمواد الكيميائية وتفاعلاتها، أما اليوم فقد بدأت اربط بينها وبين الواقع، انتقلت إلى إيرفين للانضمام إلى فريق من العلماء عكفوا على دراسة تأثير بعض المركبات الصناعية (خاصة الكلوروفلوروكربون) فور انطلاقها على الغلاف الجوي. استخلص العلماء في السابق أن ذلك المركب ثابت وهو بالتالي ليس ضاراً بالبيئة، فتحدى فريقنا ذلك الادعاء واستطعنا أن نثبت أن تلك المركبات تتحلل في طبقات الجو وتؤثر سلبياً على البيئة.

لقد برز السؤال الذي كان يتردد في أذهاننا حول ما إذا كان شيء سيحدث لذلك المركب بالبيئة إلى الصدارة بعد انتهاء ابحاثنا، وكان الرد عليه بالإيجاب طبعاً.

بناءً على اكتشافنا ذاك تنبأنا بتأذي طبقة الأوزون، وقد ثبتت صحة نظريتنا بعد ان قام العلماء بأبحاث وتجارب عديدة للتأكد من ذلك.

إن اكتشافاً كهذا هو من النوع الحلو المر. فنحن لم نرد أن يكون هناك خلل أو ضرر ما، ولكن كل ما في الأمر أننا رغبنا في العمل على كشف الحقائق، وقد تمكنا من ذلك.

والآن، تتخذ العديد من الإجراءات لحل تلك المشكلة والحد من تفاقمها ولو أننا لم نكتشف من تأثير الكلوروفلوروكربون الضار لما تم اكتشاف ذلك الثقب في طبقة الأوزون.

إن أفضل نصيحة يمكنني أن أقدمها للآخرين هي الا يخشوا من التفكير عكس المألوف، فلا بأس من الابتكار ومن الإتيان بالأفكار الجديدة غير المألوفة او المطروقة بعد، لا تقلقوا من الضغط الذي سيمارسه عليكم منافسوكم. لقد كان العلم ومازال بنسبه لي عظيماً، وليس لدي مشكلة في ان أكون مختلفاً. لا تخشوا من فكرة أن تكونوا مختلفين، فقط أجيدوا القيام بعملكم. عندما استرجع ذكريات طفولتي وفترة نشأتي، أتساءل ما إذا كنت سأنجح هذا النجاح لو لم أكن مختلفاً. كان رفاقي في تلك الفترة يرون أن كل ما يمت للمدرسة بصلة غير مجد ولا يستحق العناء، أما أنا، فقد رأيت ان كل ما أرغب به يمكن ان يتحقق لي من خلال المدرسة. ولحسن الحظ فإني برغم معرفتي بمدى أهمية أصدقائي لي على الصعيد الاجتماعي، إلا أنني أدركت أنه علي ألا استسلم امام ضغوطهم، كما أدركت بأنني ما أردت أحقق ما أتمناه، علي الاستماع إلى صوت قلبي فقط. لو أنني لم أستمع لصوت قلبي لما درست العلوم، ولما تمكنت من تقديم الفائدة للبيئة وللعالم لم أبال يوماً بكوني مختلفاً، وهذا ما ساعدني على النجاح وتحقيق ما أصبو إليه.

المصدر: كتاب إنتبه أنت مبدع

ارسال التعليق

Top